لقد نبهنا وحذرنا عشرات المرات، وكذلك فعل غيرنا، من أن فشل الفترة الانتقالية الراهنة في السودان لن يكتفي باستدعاء الانقلاب العسكري، وإنما سيرمي بالبلاد إلى كارثة غياهب الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر.
في مبتدأ ندوة إسفيرية مساء الثلاثاء 21 مارس/ آذار الجاري، طُلب مني أن أقدم ملخصا مركزا بوجهة نظري حول العملية السياسية الجارية في البلاد. ما قدمته كان تكرارا لما ظللت أردده طيلة الأشهر والأسابيع الماضية..
نواصل اليوم ما انقطع من مناقشتنا حول مبادرة منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر (كانون الأول): «مشروع حق السودانيين في الحياة الأفضل والتأسيس لدولة العدالة والقانون».
حدثان عظيمان شهدتهما البلاد في الأيام الفائتة، وهما يندفعان بقوة ليصبا في مجرى الجهود المتواصلة لنشر وإفراد أشرعة الأمل في سفينة ثورة كانون الأول/ديسمبر 2018، التي لا تزال تبحر متباطئة وهي تبحث عن شط الأمان.
تُعرف الثورات الصناعية بأنها طفرات علمية وتكنولوجية جديدة وطرق مبتكرة لرؤية العالم من حولنا والتعامل معه، مما يقود إلى تغيير عميق في البُعدين الاقتصادي والاجتماعي لصالح تحسين حياة الإنسان، بالإضافة إلى تطوير المفاهيم والتعميمات الفلسفية.
إن النزاعات القبلية في السودان في أغلبها إن لم تكن كلها، نزاعات حول ملكية الأراضي والموارد، ولا يمكن إرجاعها إلى نظرية المؤامرة، وفرضية تحكم العقلية الإجرامية عند هذه المجموعة أو تلك.
إنه ذات الحقد والغل والتعطش للانتقام، ومن ذات كتائب الموت المجرمة المتخفية في زي القوات النظامية، التي تنفذ مخطط اقتناص وقتل شباب الثورة، منذ انتصار الثورة في مرحلتها الأولى، وبدءا بمجزرة فض الاعتصام في محيط قيادة الجيش السوداني في العام 2019، وليس انتهاء بحصد أرواح الشباب والصبية والأطفال، بالرصاص
ما يدور الآن في السودان من تقتيل وسفك للدماء، لم يعد يقتصر على مآسي الحرب الأهلية في جنوب كردفان، ولا على النزاعات الدامية في دارفور، ولا على الصراعات القبلية الدامية حد حرق شباب القبيلة وهم أحياء، في أبشع تجليات الهوس الإثني والعرقي..
في 19كانون الأول/ديسمبر 2018، لما كان واقع السودان يعيش الفاقة والفقر والعطالة وتفاقم التهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي وانسداد الأفق، وهو في قبضة الإنقاذ، نظام تحالف الفساد والاستبداد، خرج شباب السودان إلى شوارع وساحات التغيير، رافضين أن يرهنوا حاضرهم ومستقبلهم لخيارات البحث عن المنافي.
في يوم الخميس الماضي، تفجرت غضبة «الهبباي» مرة أخرى، وزلزلت أرض العاصمة ومعظم مدن السودان، لتؤكد رفضها واستعدادها لمقاومة ومنازلة أي «انكشارية» جديدة تحاول أن تطأ أحلام الشعب وتخنق ثورته، وترمي بالبلاد في الكارثة والتهلكة..
بتاريخ 19 آب/أغسطس الجاري، صرّح الناطق الرسمي لمجلس السيادة السوداني، أن المجلس كلف عددا من أعضائه لابتدار نقاش حول تكوين لجنة تبحث تشكيل مفوضية الانتخابات ومفوضية صناعة الدستور، وفقا لما نصت علية الوثيقة الدستورية..
تباينت ردود الأفعال، ما بين رافض ومؤيد داعم ومتشكك ناقد، تجاه المبادرة التي قدمها الدكتور حمدوك، رئيس الوزراء، بعنوان «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال، الطريق إلى الأمام»..
تجري الاستعدادات هذه الأيام لعقد مؤتمر نظام الحكم الإقليمي في السودان، أحد استحقاقات إتفاق سلام جوبا الموقع بين حكومة السودان الانتقالية وقوى المعارضة المسلحة..