منذ إفلاته من حالة الحصار في الخرطوم وتجواله خارج البلاد، والبرهان يرتدي مسوح رجل الدولة، ولكنه ما أن يحط رحله داخل السودان، حتى يتحول إلى شخصية دون كيشوتية، يناطح الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والسلطة الحكومية الدولية للإنماء والتصحر (إيغاد)..
ليس معروفا كيف خرج البرهان من حيث كان محاصرا، طوال أكثر من أربعة أشهر، ولكن راجت أقوال بأن ذلك تم بتوافق مع قوات الدعم السريع وسند خارجي، بينما حرص هو على تأكيد أن خروجه كان بترتيب من الجيش (على ما في ذلك من اعتراف بأنه كان محاصرا)..
أثبتت حملات مكافحة فيروس كوفيد 19 المسبب لمرض الكورونا، أن التضامن الأممي كفيل باجتثاث الكثير من العلل، فقد سطر بنو البشر على اختلاف أجناسهم وسحناتهم ومِللِهم ونِحلِهم، ملحمة بطولية دامت عامين، ونجحوا في تحجيم أخطر جائحة تعرضت لها مختلف الشعوب في التاريخ الحديث..
فجر يوم الخميس الموافق 24 آب/ أغسطس الجاري، تناقل الأثير صورا حية لعبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني، وهو يلتقي ببعض جنود الجيش المرابطين في منطقة في شمال مدينة أم درمان، وكان ذلك بعد طول غياب عن الأعين..
ما هو حادث هو أن قضية فلسطين، التي بسببها يُفترض أن العرب يعادون إسرائيل، لم تعد قضية عربية (من الناحية الرسمية)، بل قضية فلسطينية "شخصية"، أي تهم الفلسطينيين وحدهم، بعد أن نفضت معظم الدول العربية أيديها منها، ولكن ما زالت قلوب المواطنين العرب على فلسطين..
كل حروب العصور الحديثة انتهت بالتفاوض، عندما يدرك طرف أنه بصدد الخسران، فيتسنى للطرف الغالب أن يملي شروطه على الطرف المغلوب، وفي حرب السودان الحالية فلا غالب أو مغلوب حتى الآن، ولا تسمح كرامة وهيبة المؤسسة العسكرية في السودان بجلوس قادة الجيش الوطني قبالة قادة قوات الدعم السريع من موقع الندية، وبعبارة أخرى فلن يكون الجيش طرفا في أي عملية تفاوضية مع الخصم، ما لم يحقق نصرا ملموسا ومحسوسا، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، والحرب تستشرف شهرها الخامس، ولا شيء يشي باحتمال حدوثه في المستقبل القريب.
انقلاب النيجر الأخير هو خامس انقلاب عسكري منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1960، بينما السودان الذي نال استقلاله عام 1956 شهد 17 انقلابا ومحاولات انقلابية، وكانت محصلة الانقلابات الناجحة والفاشلة في إفريقيا منذ عام 1950 مائتين وعشرين انقلابا..
تشهد الولايات المتحدة استطلاعات رأي عديدة سنويا، لتحديد مدى قبول أو رفض الشعب الأمريكي لهذا الأمر العام أو ذاك، ورأيه في القضايا الملحة، والمرشحين في الانتخابات وما إلى ذلك من أمور، ولكن ومنذ عام 2015، صارت هناك استطلاعات رأي كثيرة على مدار العام..
لا يكاد يمر يوم على أداة إعلام في أي بلد، دون الخوض في أمر الذكاء الاصطناعي، بما يوحي بأنه طفرة تقنية قادمة ستؤدي ـ من بين أمور أخرى ـ إلى تغيير طرق أداء الأعمال، بينما حقيقة الأمر هي أن معظمنا ظل يستفيد من الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات القليلة الماضية..
ما تحقق من وراء حرب السودان الحالية هو هلاك الآلاف، وتدمير مطابع العملة، والبنك المركزي، والمتاحف، والمكتبات الجامعية، وسجلات الأراضي والمحاكم، ومستودعات الأدوية، و75% من مستشفيات العاصمة، ومحطة الأقمار الصناعية الرئيسية، ومباني القيادة العامة للقوات المسلحة..
رغم أن السودان ـ بدون فخر ـ في طليعة الدول المنتجة للانقلابات العسكرية، إلا أنه لم يشهد ممارسات دموية ممعنة في البشاعة كتلك التي يشهدها في الحرب الدائرة حاليا في عاصمته وأطرافه..
الشرق الأوسط يعاني من الجهل والتخلف والفساد والكبت والقهر والظلم والاستبداد، وهي أمور يتعذر طرحها في أوسلو أو إيكالها الى نادي ريال مدريد، ثم أصلا ما هو الشرق الأوسط؟ أوسط من أي منظور؟ وهل هو مختلف عن الشرق الأدنى؟
هناك الكثير من المؤشرات التي تفيد بأن البرهان وحميدتي باتا يدركان أنهما دخلا الحرب بتقديرات خطأ، ورغم أن الرأي العام السوداني في مجمله يرى أن الدعم السريع عصابة إجرامية مأجورة، إلا أن ذلك لم يُترْجم إلى وقفة صلبة خلف الجيش، لأن الأخير لا يُبدي أي عناية بسلامة المواطنين..
أيام قليلة وتدخل الحرب في السودان شهرها الثالث، وصغار الجند والضباط من حيث المراتب الوظيفية ومعهم المواطنون العاديون يدفعون ثمنها من أرواحهم وممتلكاتهم، لأن البلاد دخلت مرحلة "اللادولة"، ففي ميدان المعركة الرئيس الذي هو العاصمة السودانية بمدنها الثلاث، لا أثر لعناصر المؤسسة العسكرية..
لأكثر من ستة أسابيع ظلت العاصمة السودانية مسرحا لحرب طرفاها القوات المسلحة الرسمية، وقوات الدعم السريع (التي تدّعي أنها رسمية بحكم أنها تشكلت بموجب قرار من برلمان حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير)، ثم تمددت الحرب كما هو متوقع الى مدن نيالا وزالنجي والجنينة في إقليم دارفور المنكوب بالحروب منذ عام 2003..