قضايا وآراء

مصر.. عودة الروح

صوفيا خوجاباشي
1300x600
1300x600

نسمات ثورية جديدة، هبت لتزرع أملا كاد أن ينقطع، بصيحات عنيدة، أحيت روح النضال الثوري، بعد أن غُيّبت قسرياً، على مدار ست سنوات مضت الأصوات الحرة في سرداب الانقلاب الغاشم؛ هكذا يبدو المشهد المصري حاليا، وسط حالة من الترقب الحذر.


كظمآن في صحراء قاحلة، هو التوصيف الأدق، لحال المصريين المنتفضين مجدداً ضد حكم العسكر، لتروي لازمة الحرية الأولى "الشعب يريد إسقاط النظام"، عطشهم القديم، وتعطشهم للحظات من الحرية، كانت بمثابة خيبة لا يريد البعض استدراكها، كي لا يقع في أتون جلد الذات، وتذكر جملة من الانكسارات، والانتصارات المنقوصة، والثورة المسروقة في مهدها.  


هل عادت روح 25 يناير مجددا؟

 

تجيب الساحات المصرية والميادين الواقعية والافتراضية، بصرخة نعم كبيرة، "كسرنا حاجز الخوف مجددا، ونجحنا في الخروج ضد الطاغية الذي أراد إسكات صوت المصريين للأبد، وتكريس سياسة الخوف في نفوسهم، لتصبح الثورة جزءاً بائداً من ذاكرتهم وحلما بعيد المنال.. إلا أنه لم ينجح ونجحنا مجددا"، يقول المصريون اليوم.


إلا أن شيئا ما يدعونا للوقوف وإعادة قراءة المشهد بنوع من الدقة والروية، ما الذي جرى؟ وكيف استطاع محمد علي تحريك المياه الراكدة، الأمر الذي عجزت عنه قوى المعارضة المصرية على مختلف توجهاتها، وأحداث جمّة حصلت على مدار ست سنوات منذ الانقلاب العسكري 2013، منها الاعتقالات والإعدامات، وتيران وصنافير، والتعديلات الدستورية، وغيرها، فكيف نجح محمد علي بما فشل به الآخرون؟


داخليا، يبدو أن صراعا طفى إلى السطح، بين كل من المخابرات العامة، التابعة سابقاً إلى الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والمخابرات الحربية الخاصة بالجيش، والتي يولي لها السيسي مهمة السيطرة على المفاصل الحساسة، بل وإدارة المشهد العام داخلياً، ما أدخلها في صراعات مباشرة مع المخابرات العامة.

 

هذا الصراع الذي دفع بالسيسي إلى إحكام سيطرته كلياً من خلال التصفيات والإقالات وتحجيم أعمال بعض كبار الموظفين في سلك المخابرات العامة منهم اللواء خالد فوزي، في خضم حرب تكسير عظام نجح السيسي مبدئيا بالانتصار فيها، مستعدياً جهازا لا يمكن إغفال وجوده وقدرته على قلب الطاولة في مصر عندما يريد. وهنا يمكن أن نعيد التذكير، بالتسريبات الشهيرة التي خرجت من مكتب السيسي تحديدا، والتي يقف وراءها بلا شك جهاز المخابرات العامة المصرية.


كما يمكننا من خلال ذلك العودة إلى ظاهرة "محمد علي"، والإجابة على تساؤلات كيف ظهر الرجل؟ ومن يقف في ظهره داعما له؟ وكيف استطاع صناعة هذا الفارق بفترة زمنية قصيرة، وقيادة جحافل من الجماهير على مختلف انتماءاتها نحو هدف كان قبل شهر من الآن، محض آمال لا يؤمن كثيرون بواقعية تحققها، منطلقين من حقيقة شبه مؤكدة، بأن جهازاً مهما داخل الدولة المصرية، يقف وراء محمد علي ويدعم تحركاته، ويدفع باتجاه خلخلة الأوضاع لصالح إرباك السيسي ومن حوله.


وفي هذا السياق، جاء رفع الحجب عن المواقع المعارضة لنظام السيسي، وإفساح المجال في الميادين العامة لخروج الشعب في مظاهرات حتى ساعات متأخرة ليل الجمعة، من ضمن المظاهر التي أكدت على وجود إشارات خضراء من جهات عليا في مصر، رغم بعض الاعتقالات التي طالت عددا من الشباب، واستخدام القوة في بعض المدن المصرية لتفريق التجمعات.


أيضا فإن الظروف الداخلية بعد وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، مهدت الطريق، أمام أجهزة الدولة التي ضاقت ذرعا بالسيسي، لاتخاذ هذه الخطوة، دون الخوف من سيطرة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي من جديد، والمطالبة بعودة مرسي إلى الحكم، الأمر الذي لا يريدونه بالطبع بأي حال من الأحوال.


أما خارجيا، لم يبقَ لمصر أي هيبة سياسية، بعد أن أفشلها السيسي على عدة مستويات، سياسية واقتصادية وليس آخرها تعثر مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، كما يأتي توقيت المظاهرات في فترة تنشغل فيها بعض القوى الداعمة للسيسي، بمشاكلها الداخلية.


فيما تبقى الأهداف الموضوعة ضمن هذا المخطط، غير قابلة للتنبؤ في الوقت الحالي، نظراً لضبابية المشهد ومآلاته المستقبلية.


لكن بمعزل عن أي مخططات أو أهداف موضوعة مسبقاً للحراك الحالي، إلا أن ما هو مؤكد ولا مجال للبس فيه، أن التحركات الشعبية، إذا ما استمرت في وتيرة متصاعدة، هي الوحيدة القادرة على قلب موازين الأمور، وفرض الإرادة الحرة التي يريدها المصريون، بمعزل عن أي مخططات دخيلة على مصالح أبناء النيل؛ التعويل اليوم هو فقط على الميادين المصرية، والإرادة الحرة للشعب المصري، والتنبه الواعي لأخطاء الماضي، فما يحصل اليوم بمعزل عن أي دلالات مخيبة للآمال، هو فرصة ذهبية إذا ما أراد الشعب استغلالها.

النقاش (0)