لا زالت المواجهات الدائرة في صحراء النقب بين
الفلسطينيين وقوات الاحتلال، بسبب مخططات الحكومة لترسيخ التواجد الاستيطاني في
المنطقة على حساب أهل الأرض الأصليين، تثير المزيد من النقاشات الإسرائيلية، بين
من يراها احتجاجات مشروعة من مواطنين يشعرون بالظلم والغبن والإجحاف في التعامل،
وآخرين يعتبرونها ضربا في هوية الدولة، وإخلالا بالأمن العام.
وفي الوقت ذاته، يجري الإسرائيليون مقارنة
موضوعية بين تعامل الشرطة "الهادئ" مع المتظاهرين اليهود المتدينين في
القدس المحتلة، رغم مخالفتهم القانون، وبين سلوكها "الخشن العنيف" مع فلسطينيي
الداخل بالنقب، وهم يطالبون بحقوقهم المشروعة.
يورام دوري الكاتب في
صحيفة معاريف، ذكر في
مقاله الذي ترجمته "عربي21" أن "مظاهرات البدو واحتجاجاتهم مشروعة
ومنطقية، ولها ما يبررها، والمسؤولية في ذلك تقع على الحكومة الإسرائيلية ذاتها
المطالبة بتخصيص الموارد الحكومية اللازمة لهم، لأن البدو في النهاية مواطنون مثل
الآخرين، يحق لهم الحصول على مخصصات في مجالات التعليم والخدمات الصحية، بعيدا عن
أي تمييز ضدهم أسوة بباقي الإسرائيليين".
وأضاف أنني "تابعت مؤخرًا تقارير إعلامية
عن مظاهرات قام بها العديد من السكان في جميع أنحاء إسرائيل، واتضح لي أن هناك
معايير مختلفة في تعامل الشرطة فيما يتعلق بفئات مختلفة من الإسرائيليين، ففي
القدس المحتلة مثلا، خاصة في منطقة "مائة شعاريم"، وهو الحي اليهودي للمتدينين
المتطرفين، تجري العديد من المظاهرات التي تتصاعد في كثير من الأحيان إلى أعمال
عنف، وتشمل إغلاق الطرق، وإلقاء الحجارة، وإلقاء حفاضات البراز على أفراد الشرطة
وحرس الحدود أثناء التظاهرة".
اللافت أنه دائمًا ما تُعطى هذه الاحتجاجات
العنيفة نفس التعريف الإسرائيلي بأنها "مظاهرة"، أو أحيانًا عندما تعبر
أي حدود تسمى "أعمال شغب"، وتتضمن أحيانًا عناصر متشابهة تمامًا، ولكن
عندما يأتي الدور الإسرائيلي على تعريف ذات المظاهرات البدوية الفلسطينية داخل
إسرائيل عادةً ما يشار إليها بعنوان مخيف "الإرهاب".
أكثر من ذلك، ففي حي اليهود المتطرفين تستخدم
الشرطة وحرس الحدود أغصان الزيتون لتفريق المظاهرة، بينما يظهر ضباط شرطة مسلحون
بأسلحة آلية وقنابل يدوية في جميع أنحاء النقب، وكأنهم شنوا غارة على معاقل
المقاومة الفلسطينية المسلحة، وفي بعض الأحيان يتم تصويرهم وهم يركضون على مركبات
عسكرية، فضلا عن أن طبيعة التغطية الإعلامية الإسرائيلية لهذه الأحداث تبدو
"مشوهة"، والنتيجة أن معاملة الشرطة تنبع من مزيج قاتل من الخوف والجهل
والعنصرية.
مع العلم أن تخصيص الحكومة الإسرائيلية لمزيد
من الموارد المالية للمواطنين البدو؛ سيوفر اندلاع مزيد من الأحداث والتظاهرات
والاحتجاجات، لأن البدوي الفلسطيني يستحق المأوى والتعليم والخدمات الصحية
والمؤسسات البلدية، ولذلك حان الوقت لمبادرات مدنية في مجالات التربية والصحة
والخدمات الاجتماعية؛ مع إعطاء الأولوية لاحتياجات سكان المنطقة، وفي هذه الحالة،
فإن سكان النقب هم على رأس قائمة الأولويات، وتخصيص الموارد.
وفي الوقت ذاته، يدرك الإسرائيليون الذين
يتابعون احتجاجات البدو في النقب بقلق متنامٍ، أنه إذا استمر التعامل الحكومي
الإسرائيلي مع النقب وفقًا للصورة النمطية التي نعيشها اليوم، فسوف يرون المزيد من
التدهور المستمر، وربما يصل ذلك إلى تراجع تجنيد الشبان البدو في الجيش
الإسرائيلي، وهذا مؤشر واحد فقط عما قد يتسبب به اندلاع ألسنة اللهب في النقب،
وحينها لا يحق للإسرائيليين أن يسألوا عن السبب خلف تدهور المظاهرات إلى أعمال عنف
أو احتجاجات مكثفة.
لا يوجد تعليقات على الخبر.