المسار الذي انتهجته وزارة الأوقاف في قضية جمعية المحافظة على القرآن الكريم، ليس له إلا نهاية واحدة، وهي إغلاق الجمعية بصورةٍ كاملة، والاستيلاء عليها من قبل الحكومة، تماماً كما حصل في جمعية المركز الإسلامي الخيرية، فالسيناريو واحد، والخطوات كذلك
كان الأولى بالحكومة، والدولة بصورةٍ عامة، أن تقوم بتكريم العاملين على جمعية المحافظة على القرآن الكريم، التي درست وخرجت مئات الآلاف من الأطفال والبالغين من كلا الجنسين، في كافة مراكزها وفروعها الـ1050 على امتداد جغرافية الوطن، قدمت خلالها الجمعية للوطن ما يقرب من 10 آلاف حافظ وحافظة لكتاب الله من مختلف الأعمار، فضلاً عن عشرات الآلاف من المجازين والمجازات.
يتساءل الوزير: "هل يعقل أن نفتح تعليم القرآن للأطفال بعمر خمس سنوات، في حين أن الأصل أن يلتحقوا بالروضة والمدارس النظامية؟".
حقيقة وأنا أقف مشدوهاً أمام هذا السؤال، عاجزاً عن التفسير، أشاهد في الوقت نفسه حلقة من برنامج "المقابلة" على قناة الجزيرة أجريت مع مفتي سلطة عُمان، الشيخ الداعية أحمد الخليلي، الذي أكد في سرده لسيرته الذاتية أنه ما تخرج من المدارس النظامية، وإنما من مدارس العلوم الشرعية، التي تعنى بتحفيظ القرآن الكريم، والعلوم الدينية والعربية في زنجبار، على يد عدد من المشايخ، والنتيجة أنه عُين في العام 1975 مفتياً عاماً لسلطنة عُمان بدرجة وزير.
كل ذلك حققه الشيخ العالم دون أن يلتحق بالروضة النظامية، وإنما في الكتاتيب الشرعية، ليصبح اليوم واحداً من أكبر العلماء والمفكرين على مستوى العالم الإسلامي
كما أصبح الشيخ الخليلي، عضواً في مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن (المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية)، وحالياً يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئاسة مجلس إدارة مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية، والرئاسة الفخرية لكلية العلوم الشرعية، كما كان رئيساً للجنة المطبوعات بوزارة التراث والثقافة، وكل ذلك حققه الشيخ العالم دون أن يلتحق بالروضة النظامية، وإنما في الكتاتيب الشرعية، ليصبح اليوم واحداً من أكبر العلماء والمفكرين على مستوى العالم الإسلامي.
لا يتسع المقال للحديث عن فضل القرآن الكريم، الذي هو أساس حماية الفكر، ومنطلق الاعتدال والوسطية، وتدعو إلى ذلك آياته وأحكامه وأخلاقه، أي أن القرآن الكريم يضمن لحافظه وقارئه ومتدبر آياته الاستقامة الفكرية، والاعتدال الخلقي، والبعد عن سبل الضلالة والغواية، والغلو والتطرف. وبدون القرآن الكريم فإننا سنقع في مستنقع التخبط الأخلاقي، والفكري، وصولاً إلى دهاليز التطرف والضياع.
لا يوجد تعليقات على الخبر.